
تعتمد الدول المختلفة استراتيجيات متنوعة لمعالجة قضايا حقوق النشر المتعلقة بالمحتوى الذي ينشئه الذكاء الاصطناعي. نظرًا لأن قوانين حقوق النشر الحالية تستند إلى الإبداع البشري، فإن مسألة ملكية المحتوى الذي ينشئه الذكاء الاصطناعي تظل محل جدل قانوني وأخلاقي. لنلقِ نظرة على كيفية استجابة بعض الدول لهذه القضية.
الولايات المتحدة: التمسك بمبدأ الإبداع البشري
لا تعترف مكتب حقوق النشر الأمريكي (USCO) بحقوق النشر للمحتوى الذي يتم إنشاؤه بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي. ومن أبرز القضايا في هذا الصدد هي الرواية المصورة “زاريا الفجر (Zarya of the Dawn)” التي تم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي في مارس 2022. استخدمت المبدعة كريس كاشتانوفا (Kris Kashtanova) برنامج Midjourney لإنشاء الصور وقدمت طلبًا لحماية حقوق النشر، لكن المكتب رفض تسجيل الأجزاء التي أنشأها الذكاء الاصطناعي بحجة أن “المحتوى الذي يتم إنشاؤه تلقائيًا بواسطة الذكاء الاصطناعي غير مؤهل للحماية بموجب حقوق النشر”. ومع ذلك، تم قبول الأجزاء التي تحتوي على إبداع بشري مثل التحرير وكتابة القصة.
الاتحاد الأوروبي: مراجعة قانونية للمحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي
يعمل الاتحاد الأوروبي حاليًا على مراجعة الوضع القانوني للمحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي. في الوقت الذي تنص فيه قوانين حقوق النشر الأوروبية على أن المؤلف يجب أن يكون إنسانًا، إلا أنها تأخذ في الاعتبار الحالات التي يكون فيها الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة، ويتم تقييم مساهمة الإنسان في العملية الإبداعية. في عام 2023، أصدر البرلمان الأوروبي تقريرًا حول الذكاء الاصطناعي وحقوق النشر، مشيرًا إلى أن “المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مؤهلاً للحماية القانونية بناءً على مستوى تدخل الإنسان”. ومن المتوقع أن تتم مناقشة تعديلات مستقبلية لقوانين حقوق النشر المتعلقة بأعمال الذكاء الاصطناعي.
المملكة المتحدة: إعادة تقييم حماية حقوق النشر للمحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي
تتعامل المملكة المتحدة بحذر مع قضية حقوق النشر للمحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي. وفقًا لقانون حقوق النشر الحالي، فإن الأعمال التي يتم إنشاؤها دون تدخل بشري لا تحظى بالحماية القانونية. ومع ذلك، يقوم مكتب الملكية الفكرية في المملكة المتحدة (UKIPO) بإعادة النظر في حماية المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي. في عام 2024، عقدت الحكومة البريطانية جلسات استماع عامة لجمع آراء مختلف الأطراف المعنية. وبناءً على هذه التطورات، من المرجح أن يتم تعديل القوانين في المستقبل.
الصين: توسيع الحماية القانونية للأعمال التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي
تتحرك الصين نحو توسيع تفسيرها القانوني لحماية المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي. في ديسمبر 2023، قضت محكمة الإنترنت في بكين بأن المحتوى الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي قد يكون مؤهلاً للحماية بموجب حقوق النشر. وبرزت هذه القضية عندما استخدم أحد المدونين برنامج Stable Diffusion لإنشاء صورة لامرأة، وحكمت المحكمة بأن الإدخال الإبداعي للمدون، مثل إعداد الأوامر وضبط المعلمات، يشكل استثمارًا فكريًا كافيًا لجعل العمل أصليًا ويستحق الحماية. يعكس هذا القرار موقف الصين الداعم لحماية المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي، والذي قد يكون مدفوعًا بسياساتها الداعمة لتطوير صناعة الذكاء الاصطناعي.
كوريا الجنوبية: العمل على تطوير معايير قانونية
لم تعتمد كوريا الجنوبية بعد معايير قانونية واضحة بشأن المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي. حاليًا، تقوم وزارة الثقافة والرياضة والسياحة بدراسة قضايا حقوق النشر المتعلقة بأعمال الذكاء الاصطناعي، وتبحث إمكانية تعديل قوانين حقوق النشر. ومع ذلك، شهدت كوريا الجنوبية تطورًا جديدًا، حيث تم تسجيل فيلم الذكاء الاصطناعي “AI Surobuin” كعمل تجميعي من قبل لجنة حقوق النشر الكورية. يشير هذا القرار إلى أن الأعمال التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي قد تكون مؤهلة للحماية إذا تضمنت تدخلاً بشريًا في التحرير أو الإبداع الفني.
تختلف نهج الدول فيما يتعلق بحقوق النشر للمحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي، ولكن يظل المبدأ الأساسي هو “مستوى الإبداع البشري” في العمل. مع استمرار تطور الأطر القانونية، من المتوقع أن تصبح مناقشات حماية حقوق النشر للمحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي أكثر وضوحًا في المستقبل. ومع تقدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بسرعة، من المرجح أن تستمر المعايير القانونية في التغيير، مما يجعل من الضروري متابعة تطورات السياسات العالمية في هذا المجال.